في غالبية دول العالم تنقسم الأحزاب الممثلة للناس بين حاكمة تتولّى وضع الخطط وتنفيذها، ومعارضة تتولّى مراقبة عمل تلك وتصويبه ومحاسبتها وصولاً إلى الإطاحة بها أحياناً. مثل هذا الأمر نفتقده في لبنان منذ عقود، حيث كرّست "الأحزاب" عندنا مفهوماً غير مسبوقٍ في الحكم، يجعلها في السلطة وفي المعارضة معاً، في الحكومة ذات السلطات التنفيذية وفي المجلس النيابي ذي صلاحيات التشريع والمراقبة والمساءلة والمحاسبة، وكل ذلك على قاعدة تقاسم النفوذ والمناصب، والمحاصصة في المكاسب، والتوافق على مبدأ "مرّقلي بمرّقلك".
لعلّ أبرز ما يميّز الحكومة الحالية التي شكّلها القاضي نواف سلام هو الفصل بين السلطات، بحيث لا يكون مجلس الوزراء مجلساً نيابياً مصغراً، كي يمارس كلٌّ من المجلسين دوره الطبيعي. في هذا السياق يمكن إدراج اتخاذ "التيار الوطني الحرّ" برئاسة النائب جبران باسيل القرار بالانتقال إلى "المعارضة الإيجابية" كما وصفها باسيل، كما يمكن - بل ينبغي - تفسير ردّ فعل الرئيس سلام على "تهديد" باسيل بعدم منح حكومته الثقة بإشارةٍ من يده أرى أنه قَصَد منها تشجيعه على اتخاذ هذه الخطوة، تكريساً لموقعه الجديد في صفوف المعارضة، والمساهمة بالتالي في انتظام مسار العمل السياسي في البلد.
إنما ما ليس مفهوماً فهو محاولة تصوير باسيل موقعه الجديد وكأنه مظلوميةٌ لحقت به، أو طردٌ له من "جنّة الحكم"، فيما ينبغي عليك يا عزيزي جبران أن تكون فرحاً بذلك، لأنّ حضورك كمعارض يمنحك العديد من المكاسب، منها أنه:
- يقرّبك من الناس، ويتيح لك تبنّي مطالبهم والنطق باسمهم، وصولاً إلى قيادة تحركاتهم بمختلف أشكالها.
- يحرّرك من أسر العمل الوزاري الذي لسنا في وارد تقييم أدائكم في العديد من الوزارات التي استلمتموها على مدار السنوات الماضية، فينقلك من موقع راسم السياسات التنفيذية إلى موقع المراقب لها، ويتيح لك ممارسة هوايتك المستندة إلى ذكائك في الانتقاد والهجوم على أخصامك، حين تدعو الحاجة.
- يعيدك إلى الساحة اللبنانية الأوسع، بدل التقوقع في منطقة واحدة، ذلك أنّ المطالب المحقّة للبنانيين هي ذاتها من أقصى البلاد إلى أقصاها، فيشعر المواطن المعنيّ بها – معارضاً كان أو مؤيداً لك - أنك تمثله وتدافع عن حقوقه وتوصل صوته إلى المعنيين.
- يوفّر لك فرصةً جديدة لإثبات قدرتك على النجاح في سابقةٍ لم يشهدها العمل السياسي في لبنان، لتكون رائداً في قيادة معارضة بنّاءة و"إيجابية" كما وصفتها، لا تنطلق من مواقف حزبية أو مناطقية أو طائفية ضيّقة، بل تؤدّي دورها الواضح في مراقبة عمل الحكومة ومساءلتها ومحاسبتها، انطلاقاً من المصلحة الوطنية العامة.
اسمع مني يا جبران.. في المعارضة أنت الربحان.